دور رئيس الجمهورية اليوم

أجمعت الحكومة أن إجراء الانتخابات في الربيع المُقبل مُتعذر. ما لم يُصَر إلى إدخال تعديلات على قانون الإانتخابات العامة. ولذلك، أحالت مشروع قانون مُعجّل بهذا الخصوص إلى مجلس النواب، لإدخال ما يَلزَم مِن تعديلات.

وعوض أن يُبادر رئيس المجلس النيابي إلى تلقف هذا المشروع، ويطرحه على جدول أعمال أوّل جلسة تشريعية. عاجَلَ إلى إحالته إلى مجموعة من اللجان النيابية، تمهيدًا لإحالته بعدها إلى اللجان المشتركة، ومنها إلى اللجنة الفرعيّة الناظرة باقتراحات القوانين...كذا... .

وبذلك، يكون رئيس المجلس النيابي قد عرقل عمل الحكومة لجهة إمكانية إنجاز استحقاق الانتخابات العامة في الربيع المُقبل. وعوض أن يُسهّل عمل الحكومة، وضع العراقيل في طريقها، مما سينسف الاستحقاق برُمّته.

وأمام هذا الموقف السلبي من رئيس مجلس النواب، وجّهنا رسالة إلى فخامة رئيس الجمهورية، لنُطالبه بضرورة توجيه رسالة إلى مجلس النواب، عملاً بصلاحيّاته الدستورية، لحثه على مناقشة ما تطلبه الحكومة من تعديلات والتصويت عليها.

وهذه المُطالبة لرئيس الدولة، لم تأتِ حصرًا عملًا بصلاحيّاته الدستورية، إنما سندًا لدوره الذي خصّصه له الدستور. فالمادة 49 من الدستور جعلت من رئيس الجمهورية رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والساهر على احترام الدستور، وأقسَمَ اليمين على ذلك (المادة 50 من الدستور).

ونتيجة لما تقدّم، يقتضي على رئيس الجمهورية بوصفه الساهر على الدستور بمفهومه الشامل هذا، علاوةً على دوره الحامي للحرّيات العامة، أن يكون الضامن الأوّل للركائز التي يستند إليها النظام اللبناني، وفي طليعتها مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، المنصوص عليه في البند (هـ) من مقدّمة الدستور. حيث أكّد المجلس الدستوري اللبناني من خلال اجتهاد مستمر أهمّية مبدأ فصل السلطات كرُكن أساسي للنظام الديمقراطي، وحدّد في عدد من قراراته مهام كل من السلطات العامة ووجوب التزام كل سلطة حدود صلاحياتها من مُنطلق مبدأ سموّ الدستور، بحيث لا تطغى أي سلطة على سلطة أُخرى. فيُعتبر بالتالي مبدأ فصل السلطات وتوازنها الركيزة الأساسية للأنظمة الديمقراطية، بحيث أنه بحسب العلاّمة موريس هوريو Maurice Hauriou لا يُمكن أن تتوافر أيّة حرّية سياسية إلّا من خلال التوازن بين مختلف القوى السياسية.

كما أنّ توازن السلطات وتعاونها يُكمّلان مبدأ الفصل بين السلطات، بما يُشكّل ضمانة للحرّية ولفعالية الدولة. فيكون رئيس الجمهورية، وبِفِعل مهامه الآيلة إلى السهر على الدستور، الضامن الأوّل لانتظام المؤسسات الدستورية وتوازنها واستمراريّتها. لذا ينبغي عليه أن يقوم بدور ضابط للمؤسسات الدستورية كُلّما اختل التوازن في ما بينها.

فبحسب هوريو، "إن العلاقة بين أجهزة الدولة أو السلطات المنفصلة، والتي تحتاج إلى بعضها البعض لإنجاز الوظيفة عينها، يمكنها أيضًا أن تُعطّل بعضها البعض، برفضها التعاون في ما بينها. إلّا أن هذه الضوابط والموازين (checks and balances) تُسهم من خلال موازنة في اعتدال السلطة، وهذا ما يتحوّل إلى ضمانة للحرّية.

- دراسة "مهمّة السهر على احترام الدستور في صلب مهام رئيس الجمهورية" (للمحامية الأستاذة ميراي نجم - شكرالله) عضو المجلس الدستوري اللبناني. منشور في الكتاب السنوي للمجلس الدستوري/2017/ ص/313/ حتى/338/.

واستنادًا لكامل ما تقدّم، وبوصف رئيس الجمهورية ضابط المؤسسات الدستورية، عليه أن يتدخل لوضع حدّ لتجاوزات رئيس السلطة التشريعية، بمُصادرته السلطة الدستورية التي يرأس من جهة، وتعطيل عمل السلطات الدستورية الأُخرى مِن جهةٍ أُخرى.

مِن هُنا، ضرورة أن يُمارس رئيس الجمهورية صلاحياته الدستورية، ويوجه رسالة إلى المجلس النيابي، لحثه على مُناقشة مشروع القانون المُعجّل الآتي مِن الحكومة، لإخراج الانتخابات مِن عُنق الزُجاجة وتعبيد السبيل أمام إنجازها. 

(سعيد مالك - نداء الوطن )